متابعة: آيات مصطفى
حين لا يحكي الكاتب… بل يُنصت
في لحظةٍ ما من القراءة، قد تشعر أن الكاتب لا يروي حكاية، بل يجلس قبالتك، ينصت إليك، ثم يبدأ في الكلام نيابةً عنك. هذا الإحساس الإنساني الخالص هو أول ما يتركه قلم مصطفى أنور في وجدان قارئه. لا يطرق بابك بعنف، ولا يلوّح بإبهارٍ مصطنع، بل يتسلل بهدوء إلى أكثر المساحات هشاشة في داخلك، حيث تختبئ الأسئلة المؤجلة والمشاعر التي لم تجد لغتها بعد.
الكتابة بوصفها مشاركة إنسانية
مصطفى أنور لا يكتب ليُسمَع صوته وسط الزحام، بل ليجعل القارئ يسمع صوته الداخلي بوضوح أكبر. كتابته ليست استعراضًا فنيًا، بل مشاركة إنسانية عميقة، تشبه اعترافًا طويلًا نكتشف خلاله أننا لسنا وحدنا، وأن ما نعيشه في صمت يعيشه آخرون بالقدر نفسه من الارتباك والصدق.
صوت مختلف في زمن التشابه
في زمنٍ تتشابه فيه الأصوات وتتكرر الحكايات، يخرج مصطفى أنور كصوت أدبي مختلف، يحمل بصمته الخاصة؛ بصمة تستطيع أن تلمسك قبل أن تبدأ القراءة، وتربك يقينك بعد أن تنتهي منها. ليس لأنه يكتب قصصًا خارقة أو حبكات معقدة، بل لأنه يكتب عن الشيء الوحيد الذي لا يكذب أبدًا: الإنسان من الداخل.
تفاصيل صغيرة… بحمولة شعورية كبيرة
يمتلك أنور قدرة نادرة على التقاط التفاصيل الصغيرة التي نعيشها يوميًا ولا نقولها؛ نظرة عابرة، خوف مؤجل، صمت ثقيل، أو جملة لم تُقال في وقتها. تفاصيل تبدو عادية، لكنها في كتابته تتحول إلى لحظات كاشفة، تضع القارئ أمام نفسه دون قسوة، ودون أحكام.
«نقطة عبور»… رواية عن اللحظة الفاصلة
مع روايته الجديدة «نقطة عبور»، المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2026، يؤكد مصطفى أنور حضوره ككاتب يراهن على العمق الإنساني لا على الإثارة السطحية. فالرواية ليست مجرد حكاية تُروى، بل حالة شعورية مكتملة، ورحلة داخل مناطق شديدة الحساسية في النفس البشرية، حيث تتقاطع الذاكرة مع الخسارة، ويتحوّل الألم إلى سؤال، والسؤال إلى وعي جديد.
بين ما كنّا… وما سنكون
«نقطة عبور» ليست نهاية ولا بداية، بقدر ما هي لحظة فاصلة؛ تلك اللحظة التي يقف فيها الإنسان بين ما كان عليه وما سيصبحه. يكتبها أنور بلغة هادئة في ظاهرها، عميقة في أثرها، تترك القارئ بعد الصفحة الأخيرة محمّلًا بدهشة صامتة، ورغبة حقيقية في إعادة التفكير في ذاته وفي علاقته بالعالم.
لغة رشيقة وجُمل تشبه الطلقات المضيئة
يتميّز أسلوب مصطفى أنور الأدبي بوضوح ملامحه؛ لغة رشيقة لا تتصنع العمق، لكنها تنفذ مباشرة إلى عمق القارئ. جُمل مكثفة تشبه «طلقات مضيئة» في ظلام النفس، تضيء مساحة ما، ثم تتركك واقفًا أمامها تتأمل معناها طويلًا. كما يمتلك قدرة خاصة على تحويل المشاعر المبعثرة إلى صور حيّة، يرى القارئ نفسه فيها دون أن يشعر بوصاية أو تفسير مُسبق.
دهشة لا تصنعها المفاجأة… بل الصدق
الدهشة في كتابات مصطفى أنور لا تأتي من المفاجأة، بل من الصدق. صدق التجربة، وصدق اللغة، وصدق النظر إلى الإنسان. لذلك تبدو أعماله وكأنها كُتبت خصيصًا لكل قارئ على حدة، رغم أنها تحكي عن الجميع.
وعد أدبي يستحق المتابعة
في مشهد أدبي مزدحم بالضجيج، يختار مصطفى أنور أن يسير في طريقه الخاص؛ قريبًا من القلب، بعيدًا عن الادعاء. ومع «نقطة عبور»، لا يقدّم رواية فحسب، بل يقدّم وعدًا أدبيًا بمسار إبداعي يستحق المتابعة، لأنه يكتب ببساطة ما نخشاه جميعًا… حقيقتنا الإنسانية.

