بقلم المستشارة القانونية: إيمان مصطفى
في خطوة تشريعية بالغة الأهمية، وافقت الجهات المختصة على مشروع قانون الأسرة الجديد لعام 2025، وأحالته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره.
ويأتي هذا المشروع في إطار السعي لتعزيز حماية الأسرة وضمان التوازن بين الحقوق والواجبات داخل الكيان الأسري، بما يتماشى مع التطورات الاجتماعية والقانونية الراهنة.
القانون المقترح يتضمن تعديلات جوهرية تمس بشكل مباشر قضايا الحضانة، الرؤية، الطلاق، العنف الأسري، والنفقة، كما يعكس توجهًا واضحًا نحو ترسيخ مبدأ المصلحة الفضلى للطفل وتحقيق العدالة الناجزة في منازعات الأسرة.
أبرز التعديلات القانونية في مشروع قانون الأسرة الجديد
1. حبس الزوج في حالة ضرب الزوجة
في تحول نوعي نحو مكافحة العنف الأسري، نص المشروع على تجريم اعتداء الزوج على زوجته بالضرب، بحيث يُعاقب جنائيًا إذا ثبت هذا الاعتداء. ويشكل هذا الإجراء ضمانة أساسية لحماية الزوجة وفرض الانضباط داخل الأسرة.
2. رد قائمة المنقولات في حالة الخلع
أعاد المشروع تنظيم إجراءات الخلع، حيث أوجب على الزوجة رد قائمة المنقولات الزوجية كاملة إلى الزوج في حال طلبها الطلاق خلعًا، تحقيقًا للتوازن في الحقوق المالية بعد الانفصال.
3. تعديل الطبيعة القانونية لقضايا تبديد المنقولات
بموجب التعديل، أصبحت قضايا تبديد المنقولات الزوجية ذات طابع مدني، وتُنظر أمام المحاكم المدنية التابعة لمحاكم الأسرة، بدلًا من أن تُصنَّف كقضايا جنائية، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء عن القضاء الجنائي وتيسير التسوية العائلية.
4. تعديل ترتيب الحضانة: الأب في المرتبة الثانية بعد الأم
جاء التعديل ليعيد ترتيب مستحقي الحضانة، بحيث يكون الأب في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأم في حال زواجها من رجل آخر، بما يكرس دوره في الرعاية المباشرة للأطفال ويعكس إدراكًا متزايدًا بأهمية الأب في تربية الأبناء.
5. إلغاء حق الرؤية عند الامتناع عن النفقة
في إجراء رادع يربط بين الحقوق والواجبات، نص المشروع على حرمان الأب من حق رؤية أطفاله إذا امتنع عن الإنفاق عليهم دون سبب مشروع، مما يعزز من التزامه القانوني تجاههم.
6. عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي دون توثيق
لم يعد الطلاق الشفهي منتجًا لأثره القانوني إلا إذا تم توثيقه رسميًا خلال 15 يومًا من وقوعه. كما فُرضت عقوبات على من يخالف هذا الإجراء، وذلك للحد من الطلاق العشوائي وضمان حقوق المرأة والأطفال.
7. حبس الزوجة وإسقاط الحضانة في حالة منع الأب من الرؤية
نص التعديل على معاقبة الزوجة جنائيًا، وإسقاط حقها في الحضانة في حال ثبوت تعمدها منع الأب من ممارسة حقه في رؤية أطفاله، وهو ما يعزز مبدأ التوازن في الحقوق الأبوية ويحمي الطفل من النزاعات المؤذية.
الأبعاد القانونية والإنسانية للمشروع الجديد
1. التوازن في توزيع الحقوق الأسرية
التعديلات تراعي إرساء مفهوم المشاركة المتوازنة بين الوالدين، بعيدًا عن الانحياز لأحد الطرفين، مع إعطاء الاعتبار الأكبر لمصلحة الطفل.
2. تكريس مبدأ "الجزاء مقابل الفعل"
بربط الحقوق (كالرؤية أو الحضانة) بالالتزامات (كالنفقة أو الامتثال لأوامر المحكمة)، يرسخ المشروع مبدأ المسؤولية القانونية المتبادلة داخل الأسرة.
3. تحويل الطابع العقابي إلى إصلاحي
من خلال نقل بعض القضايا من الإطار الجنائي إلى المدني، وتقديم بدائل تنفيذية، يُظهر القانون اتجاهًا نحو الإصلاح الأسري بدلاً من التصعيد العقابي، ما يُسهم في الحد من التفكك العائلي.
ويعد مشروع قانون الأسرة الجديد لعام 2025 خطوة متقدمة نحو بيئة قانونية أسرية أكثر عدالة وإنصافًا. فهو لا يكتفي بتنظيم العلاقات الأسرية، بل يسعى إلى حماية الكرامة الإنسانية، وضمان حقوق كل فرد داخل الأسرة، في إطار قانوني منضبط ومتوازن.
وينتظر أن تسهم مناقشات مجلس النواب في تحسين وتطوير بنود المشروع بما يخدم مصلحة المجتمع والأسرة في آنٍ واحد. وتبقى التوعية المجتمعية، والتطبيق القضائي الرصين، هما الضمانتان الفعليتان لتحقيق غايات هذا القانون على أرض الواقع.