قصة قصيرة بعنوان: طريق النجاح
للكاتب/ زيد بن محمد
وفي تلك القرية..
التي تدعى الدكة بمركز "نصر النوبة"، حيث كان يعيش العديد من القرويين في منازل من القش والطين بدون توفير مياه الشرب والكهرباء..
وفي ذلك اليوم مثل باقي الأيام تذهب والدة حور التي كانت من قلة الناس في القرية امتلاكًا للفرن لبيع الذرة.. كانت تعمل على ناصية الشارع؛ لكن الفرق بين تلك المرة عن ذي قبل، أنها وللمرة الأولى اصطحبت صغيرتها معها نيابة عن والدها، الذي طالما اصطحب حور معه لقرية أخرى، حيث كان يبيع الخضرة التي كانت من إنتاج أرضه.
ولأنه مرض في ذلك اليوم اصطحبتها والدتها لأنها لا تحب المكوث في البيت نهائيًّا، ومع الوقت بدأت الناس في الإقبال على والدة حور لشراء الذرة، ولأن ليس الثراء والفقر هو ما يجعلنا سعداء أو تعساء، بل إننا كثيرًا ما نلاحظ العكس ولأنك لا تحتاج إلى البحث عن السعادة؛ فهي ستأتيك حينما تكون قد هيأت لها موقعًا في قلبك؛ ولهذا بدت حور سعيدةً جدًّا رغم ظروفهم..
وتمر الساعات بدون بيع إلا القليل من الذرة، ويحين موعد عودتهما إلى البيت، لكن بدت والدة حور حزينة جدًا، لا على حالهم، بل لأنها لن تستطيع شراء الدواء لزوجها بهذا المبلغ الضئيل خاصة وأنه لا يكفي إلا لشراء غداء اليوم..
تنظر حور لوالدتها بابتسامة لم تدم طويلًا بعدما شاهدت وجه أمها الحزين، فتقول لوالدتها بلطف هوني عليك يا أمي!
ماذا هناك ياحبيبتي؟!
تقول والدة حور بحزن: والدك يا حور.. والدك حالته تسوء يومًا بعد يوم، ولم يذهب للعمل بسبب المرض، وأنا لا أستطيع شراء الدواء بهذا المبلغ الضئيل..
تنظر حور للأرض وليس لها حول ولا قوة ولا تعرف ماذا تقول لأمها؛ ثم تقول بكل هدوء: كما يبدو نحن يا أمي لا نملك المال الكافي لقضاء حوائجنا، لكن نحن في زحام من النعم لا ندركها إلا حين فقدها.. الصبر يا أمي! عليكِ بالصبر يا حبيبتي!
الصبر هو القدرة على تحمل الصعاب والتحديات بروح هادئة وثابتة دون فقدان الأمل أو الثقة بالله..
تقول لها والدتها بابتسامة مصطنعة: بارك الله فيكِ يا بنيتي، لقد وصلنا، هيا لنطمئن على والدك..
دخلت حور ووالدتها المنزل وصدمت والدة حور عندما وجدت زوجها يصارع الموت فبدأت بالصياح بصوت مرتفع هز أركان الحي..
قالت حور: ماذا به يا أمي؟!
وعندما لم تجبها فهمت حور أنه في حالة خطرة.. هرولت أم حور للخارج تبحث عن مساعدة، ولحسن الحظ كان هناك طبيب قادم من مدينة بجوار القرية لأحد سكان القرية، فنادت عليه وقالت زوجي يصارع الموت.. قال بكل برود أنا لست قادم لكِ ولا لزوجك أنا قادم لحكيم القرية..
قالت والدة حور: سأدفع لك كل ما تريد فقط ساعدنا؛ نزل الطبيب من على العربة وقال أين المنزل؟!
اصحبته للمنزل وفور دخول الطبيب نادى فزعًا على مساعدة، أحضر الحقيبة بسرعة، هنا أيقنت والدة حور أن حالته حرجة جدًّا وربما أنها النهاية، هنا تنقطع أنفاس والد حور الحاج سعيد، ويفارق الحياة قبل وصول مساعد الطبيب وحين يصل الشاب يصرخ الطبيب في وجهه.. لقد مات أيها الأبله، قلت لك ألف مرة عندما أستعين بك عليك بالسرعة ثم ينظر إلى والدة حور بحزن ويقول: قدر الله وما شاء فعل.. حالته كانت حرجة جدًّا، وحتى لو كان وصول الحقيبة سريعًا لكانت نسبة نجاته قليلة..
استأذن الطبيب للذهاب، ولم ترد عليه والدة حور من تلك الصدمة العنيفة التي لم تكن لتتوقعها.. بينما حور تجلس وتنظر لوجه والدها وتبكي فقط..
بعد تلك الضجة التي حدثت بدأت تقبل الناس بجوارهم ويحاول كل منهم بشتى الطرق أن يزيح قليلًا من الهم والحزن عن والدة حور لكن بلا جدوى!
لقد مات سندها الوحيد بالحياة، ولم يبقى لها سوى صغيرتها التي لا تدرك ماذا يحدث!
تمر الأيام والأسابيع ووالدة حور لا تذهب للعمل معتمدين على صديقتها بالجوار التي تأتي لها كل يوم بالخبز والحليب.
وحين قررت العودة للعمل وجائت لتنادي حور، قالت الفتاة: لا يا أمي سأبقى هنا اليوم، لا أريد الخروج.. فاستغربت بشدة ولم ترد أن تثقل عليها..
وفور وصول والدة حور..
وقبل أن تشعل النار جائت تلك السيدة التي طالما كانت تشتري منها الذرة وتمكث معها قليلًا للحديث.. وحينما حكت لها ما حدث وسبب غيابها، قالت السيدة: هوني عليكِ يا أم حور، لم أعتد أن أراكِ هكذا؛ فرغم الظروف تبتسمين ثم قالت: الرضا بالقضاء والقدر هو أساس السعادة والسلام الداخلي بأن تتقبل الأمور كما هي دون تضجر أو شكوى، والثقة بأن كل ما يحدث له خير وحكمة من الله..
إن الشخص الذي يتقبل قضاء الله برضا يعيش حياة ملؤها السكينة والطمأنينة؛ ويجد في كل تحدي فرصة للنمو والتطور..
"لذا يجب على المرء أن يسعى إلى تحقيق هذا الرضى من خلال التفكير الإيجابي والتفاؤل والثقة بأن كل شيء يحدث له بإرادة الله".