بقلم: محمد عبد الرحيم
في حضور أمراء ورؤساء أكثر من عشرين دولة ما بين عربية وأجنبية، تم أخيرًا التوقيع على معاهدة إنهاء الحرب بين الكيان الإسرائيلي وقطاع غزة، برعاية مصرية على الأراضي السيناوية المباركة بمدينة السلام شرم الشيخ، في خطوة عظيمة وغير مسبوقة سيخلّدها التاريخ بأحرفٍ من نور، لاستتباب الوضع الأمني ونهاية حربٍ استمرت قرابة العامين، قضت على الأخضر واليابس في قطاع غزة المنكوبة، وراح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الباسل، الذي ظل صامدًا طوال تلك الفترة العصيبة، في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية التي استخدمت كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا والفتاكة، دون أن تراعي طفلًا رضيعًا أو شيخًا كبيرًا أو امرأة مسنة أو مريضة.
هؤلاء الأبطال واجهوا العدوان التتاري بصدورهم العارية وقلوبهم المؤمنة بربهم وتمسكهم بتراب أرضهم.
ولم يكن حدوث هذا الاتفاق وليد الصدفة أو اللحظة، بل كان ثمرة الدبلوماسية المصرية الهادئة والقيادة الحكيمة والصبورة لقائد الأمة العربية، الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لم يدّخر جهدًا للوصول إلى هذه اللحظة الحاسمة التي نالت تأييد الشعوب المتحضرة، بعدما استيقظت ضمائرها وخرجت في تظاهراتٍ حاشدة مندّدة بالعدوان الإسرائيلي الآثم على الشعب الفلسطيني الأعزل.
وقد دفعت هذه الموجة من الغضب الإنساني حكومات عديدة إلى اتخاذ إجراءاتٍ دبلوماسية جادة، والوقوف إلى جانب مصرنا الحبيبة، مرحّبين بالرؤية المصرية التي طالبت بوجوب إيقاف الحرب الظالمة وغير المتكافئة، ورفض الانصياع للرغبة الأمريكية والإسرائيلية بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه إلى الدول المجاورة مثل مصر والأردن، ثم تحويل قطاع غزة إلى منطقة تجارية وسياحية بإدارةٍ أجنبية على غرار جزيرة هونغ كونغ الصينية، وهو الأمر الذي رفضته القيادة المصرية بكل قوةٍ جملةً وتفصيلًا.
ونتيجة الجهود المصرية الدؤوبة، تحوّل الموقف الأمريكي مائةً وثمانين درجة، ليصبح مؤيدًا وداعمًا للجهود المصرية الرامية إلى إحلال السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط، التي طالما اتسمت بالتوتر والحروب بسبب وجود الكيان الإسرائيلي واحتلاله الأراضي العربية ظلمًا وعدوانًا.
لقد شكّل هذا التحول صفعة قوية للكيان الإسرائيلي، الذي وجد نفسه بفضل التحركات المصرية منبوذًا من العديد من دول العالم، ولم يكن أمامه خيارٌ سوى الانصياع لإرادة السلام والتعايش مع دول الجوار في أمنٍ وسلامٍ عادل، قائمٍ على احترام سيادة الدول وأحقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
وبعد تصاعد الضغوط المصرية والعالمية، لم تجد إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة — الداعم الأول والرئيسي للكيان الإسرائيلي — بدًّا من التوقيع والموافقة على المعاهدة السلمية.
وبتوقيع الكيان الإسرائيلي على تلك المعاهدة التاريخية، التي شهدها العالم أجمع سواء بالحضور المباشر أو من خلال شاشات التلفاز، وبمشاركة ومباركة الرئيس الأمريكي شخصيًا، تكون مصر قد أنقذت الشعب الفلسطيني من الفناء والمحو الكامل للقضية الفلسطينية، التي كانت خيوط الغدر تُحاك في الخفاء لإجهاضها.
وإن مصر هي القلب النابض للأمة العربية والإسلامية، والأم التي تحتضن أبناءها في أحلك الظروف والصعاب، لتؤكد للعالم أن السلام العادل لا يُصنع إلا بالإرادة المصرية والعقل العربي الواعي، وتحيا مصر بشعبها وقيادتها الحكيمة، فمصر والأمة العربية وجهان لعملة واحدة.