الناقد الفني د. محمد عبد الله
في كثير من الأحيان قد تخدعنا الصورة في المشاهد التمثيلية، إذ تبدو الأحداث على الشاشة تحتمل أكثر من تأويل أو تُظهر ما لا تعنيه حقًا. لكن في خلفية هذه الصورة تأتي الموسيقى التصويرية لتضعنا على الطريق الصحيح للإحساس بما يريده المخرج، حتى وإن كان مخالفًا لما تراه أعيننا.
فالعين ترصد ظاهر الأحداث، بينما الأذن تلتقط جوهر الحقيقة؛ فالموسيقى لا تجيد الكذب، لأنها تكشف النوايا العميقة المختبئة خلف الأفعال.
قد نشاهد شخصًا يمشي بهدوء في لقطة عادية، لكن مع أنغام موسيقى مشحونة بالتوتر ندرك أن كارثة تقترب.
وربما نشهد وداعًا عابرًا بين شخصين، غير أن الموسيقى الحزينة تخبرنا أن الفراق أبدي، لا لقاء بعده.
وفي مشهد ساخر، قد تبكيك الموسيقى الحزينة المغروسة بين ضحكات سطحية، بينما قد تجبرك موسيقى ساخرة على الابتسام حتى في لحظة فاجعة.
المخرج المتمكن يعرف كيف يستخدم الموسيقى كسلاح خفي؛ يضع أمامنا صورًا محايدة، وربما مضللة، ثم يترك للموسيقى مهمة إرشاد مشاعرنا نحو الإحساس الذي يريد أن نعيشه.
لذلك قال الكبار من صانعي السينما إن الصورة قادرة على خداع البصر، لكن الموسيقى تزرع الإيمان في قلب المشاهد.
تصور معي فيلمًا يخلو من الموسيقى التصويرية: ستبدو مشاهده وكأنها أجساد تتحرك بلا روح.
لم يكن كبار السينمائيين المصريين مثل يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، علي بدرخان، حسين كمال، ومروان حامد يعتبرون الموسيقى مجرد خلفية صوتية، بل كانوا يرونها صوتًا مكملاً للصورة، تروي ما تعجز المشاهد وحدها عن التعبير عنه من مشاعر وأحاسيس.