كتبت: آيات مصطفى
في قلب الصعيد المصري، حيث تنساب حضارة الفراعنة بين ضفاف النيل وجدران المعابد القديمة، وُلدت شخصية أسطورية لم تأخذ حقها من الأضواء، رغم أن ملامحها ربما خُلدت على أشهر كنوز مصر القديمة.
إنها "ميريت آتون"، الابنة الكبرى للفرعون الثائر إخناتون والملكة الجميلة نفرتيتي.
اسمها يعني "محبوبة آتون"، لكنها لم تكن فقط محبوبة لإله الشمس، بل تحولت إلى لغز تاريخي ما زال يثير الدهشة حتى اليوم.
كانت ميريت آتون شاهدة على واحدة من أعقد الفترات في تاريخ مصر القديمة، حين قرر والدها إخناتون قلب المعادلة الدينية والسياسية بنقل العاصمة إلى "أخت آتون" – مدينة تل العمارنة الحالية – وتوحيد عبادة الآلهة في إله واحد هو آتون.
في هذه البيئة الثورية تربت ميريت آتون، ربما كأميرة، وربما كملكة ظل، لكن المؤكد أنها كانت قريبة من مركز السلطة.
بعد رحيل إخناتون واختفاء نفرتيتي في ظروف غامضة من المشهد السياسي، تزوجت ميريت آتون من الملك "سمنخ كا رع"، الذي خلف والدها في الحكم.
زواج ربما كان رمزياً أو سياسياً، لكنّه لم يستمر طويلاً، إذ اختفى الملك بدوره فجأة، وتوارى اسمه من النقوش الرسمية... واختفت معه ميريت آتون، وكأنها ذابت في رمال الزمن.
لكن القصة لم تنتهِ هنا.
ففي عام 1922، حين اكتشف هوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون، لفت نظر علماء الآثار شيء محيّر.. ملامح القناع الذهبي الأشهر في العالم، وبعض القطع الملكية، بدت وكأنها صُنعت لامرأة، لا لملك شاب.
شكل القناع، والثقوب المختلفة لتثبيت القرط، والزوايا الأنثوية في بعض التماثيل، كلّها تشير إلى احتمال أن تكون هذه القطع قد أُعيد استخدامها... وربما كانت تخصّ ملكة غامضة.
وهنا يبرز اسم ميريت آتون مجددًا.
بعض النظريات الحديثة تُرجّح أن هذه المقتنيات لم تُصنع لتوت عنخ آمون، بل لامرأة من العائلة الملكية كانت الأقرب للعرش، ثم أُعيد تدويرها لاحقاً بعد وفاتها أو اختفائها.
وإن صحّت هذه الفرضية، فربما تكون ميريت آتون – تلك التي نسيها التاريخ – هي صاحبة القناع الذهبي الذي أبهر العالم.
ما زالت الأدلة ناقصة، والفرضيات بحاجة إلى المزيد من التنقيب، لكن المؤكد أن ميريت آتون لم تكن مجرد ابنة لفرعون، بل ربما كانت ملكة مصر المنسية...
وصاحبة أجمل كنز فرعوني عرفه العالم.
فمن تكون صاحبة هذا الجمال الطاغي؟
ربما الإجابة ما زالت مدفونة في رمال العمارنة... تنتظر من يكشفها.
المصادر
بعض أبرز المراجع التي تناولت هذا الموضوع أو تناولت عناصر مرتبطة به هي:
-
Nicholas Reeves
- كتابه الشهير:"The Complete Tutankhamun: The King, the Tomb, the Royal Treasure"(نيكولاس ريفز يُعد من أبرز المؤرخين الذين طرحوا نظرية أن بعض كنوز توت عنخ آمون كانت مخصصة سابقاً لشخص آخر، وربما لامرأة ملكية مثل ميريت آتون أو نفرتيتي).
- كتابه الشهير:
-
Zahi Hawass
- أعماله حول عصر العمارنة واكتشافات توت عنخ آمون، مثل:
"The Golden Age of Tutankhamun: Divine Might and Splendor in the New Kingdom"
(زاهي حواس أشار إلى الغموض الذي يكتنف انتقال السلطة بعد إخناتون واختفاء شخصيات بارزة مثل نفرتيتي وميريت آتون).
- أعماله حول عصر العمارنة واكتشافات توت عنخ آمون، مثل:
-
Aidan Dodson
- كتابه:
"Amarna Sunset: Nefertiti, Tutankhamun, Ay, Horemheb, and the Egyptian Counter-Reformation"
(آيدان دودسون درس سقوط سلالة العمارنة وتناول احتمالية إعادة استخدام المقتنيات الملكية).
- كتابه:
-
Joann Fletcher
- كتابها:
"The Search for Nefertiti"
(تطرق بشكل غير مباشر إلى قضايا تخص العائلة الملكية في نهاية عصر العمارنة، ومن ضمنها النظريات المتعلقة بالملكات المجهولات).
- كتابها:
-
James Allen
- دراسات منشورة عن نصوص العمارنة وأوضاع الأسرة الملكية، مثل أبحاثه في:
"The Amarna Succession" (Journal of the American Research Center in Egypt)
- دراسات منشورة عن نصوص العمارنة وأوضاع الأسرة الملكية، مثل أبحاثه في:
ملاحظة مهمة:
- لا توجد دلائل أثرية قاطعة 100% تثبت أن ميريت آتون بالتحديد هي صاحبة قناع توت عنخ آمون، ولكن بعض الأبحاث والافتراضات الحديثة تشير إلى أن هناك احتمالية قوية أن تكون بعض مقتنيات المقبرة قد أُعيد استخدامها وكانت تخص شخصية ملكية أنثوية عاشت في أواخر عصر العمارنة.