متابعة:آيات مصطفى
في ظل تزايد ظاهرة هجرة الأطباء من الدول العربية، خصوصًا في دول مثل مصر والسودان ولبنان، تظهر تساؤلات ملحة حول الأسباب والدوافع الحقيقية وراء هذا النزوح المهني الذي بات يؤثر على جودة الخدمات الصحية داخل هذه الدول.
وفي هذا السياق، شددت نقابة الأطباء على أن الحل لا يكمن في فرض القيود والتضييق على الأطباء، بل في معالجة الجذور الحقيقية للأزمة، وعلى رأسها تحسين بيئة العمل وظروف المهنة.
الواقع المؤلم..بيئة طاردة وكفاءات مهاجرة
تعاني المنظومات الصحية في العديد من الدول من نقص حاد في أعداد الأطباء، رغم أن أعداد الخريجين من كليات الطب في تزايد.
ومع ذلك، فإن أغلب هؤلاء يسعون فور تخرجهم أو بعد سنوات قليلة من العمل إلى الهجرة نحو دول الخليج وأوروبا وكندا.
فما هو السبب؟
بيئة العمل المحلية التي يصفها الكثيرون بأنها منهكة، محفوفة بالمخاطر، وتفتقر إلى التقدير المادي والمعنوي.
رواتب متدنية لا تتناسب مع طبيعة العمل الشاقة، ساعات طويلة، نقص في الموارد والإمكانات، تهديدات قانونية دون حماية كافية من الدولة، إضافة إلى تعرض الأطباء أحيانًا للاعتداء اللفظي أو الجسدي داخل أماكن عملهم، كلها أسباب تدفعهم للبحث عن فرص أكثر استقرارًا وأمانًا.
المقترحات الحكومية.. هل هي حل أم هروب من الواقع؟
في السنوات الأخيرة، طرحت بعض الجهات الرسمية مقترحات للحد من هجرة الأطباء، تمثلت في:
فرض شروط أكثر صرامة لمنح شهادات مزاولة المهنة الدولية.
ربط التخرج أو منح الشهادات بالخدمة الإلزامية لعدة سنوات داخل البلاد.
وضع قيود على منح الإجازات أو التفرغ للسفر.
وقد وصفت نقابة الأطباء هذه السياسات بأنها "مقترحات حمقاء" لا تعالج المشكلة، بل تزيد من الاحتقان وتدفع بالمزيد من الأطباء إلى البحث عن طرق للهروب بأي وسيلة.
وتؤكد النقابة أن هذه الإجراءات تعد محاولة لفرض "الإقامة الجبرية المهنية"، وهو ما يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والمهنيين في التنقل والبحث عن بيئة عمل عادلة.
الحل الجذري.. إصلاح شامل للمنظومة الصحية
ترى نقابة الأطباء أن الحل الحقيقي يبدأ من:
1. رفع أجور الأطباء بما يتناسب مع كفاءتهم ومسؤولياتهم.
2. تحسين بيئة العمل من خلال توفير المستلزمات الطبية والتجهيزات الحديثة، وتقليل الضغط المهني.
3. توفير الحماية القانونية للأطباء من الاعتداءات والملاحقات غير المبررة.
4. خلق مسارات مهنية واضحة للترقي والتخصص والبحث العلمي.
5. الاعتراف الاجتماعي بدور الأطباء والتقدير الحقيقي لجهودهم، خاصة خلال الأزمات الصحية كما حدث في جائحة كورونا.
إن هجرة الأطباء ليست ظاهرة عابرة، بل هي أزمة بنيوية تحتاج إلى مقاربات عقلانية قائمة على الاحترام والحوار والإصلاح الحقيقي، لا على فرض القيود. فالأطباء، كما تقول النقابة، ليسوا عبيدًا للدولة، بل شركاء في بناء النظام الصحي، ويجب أن يُعاملوا على هذا الأساس.
فإذا أردنا فعلاً الحفاظ على الكفاءات الطبية داخل أوطاننا، فلنبدأ بتوفير بيئة تجعلهم يرغبون في البقاء، لا مجبرين عليه.