متابعة: آيات مصطفى
في موقف يجسد أسمى معاني الوفاء العلمي والإنساني، ويؤكد على تقدير المؤسسات الأكاديمية لجهود الباحثين حتى بعد رحيلهم، منحت جامعة الأزهر الباحثة الراحلة هانم محمود أبو اليزيد درجة الدكتوراه في تخصص اللغويات، بتقدير مرتبة الشرف الأولى، وذلك تكريمًا لرحلة علمية شاقة ومتفانية أنهتها قبل أن تنهيها الحياة.
رسالة علمية رفيعة المستوى
جاءت رسالة الدكتوراه التي أنجزتها الباحثة بعنوان:
"ظاهرة التأويل النحوي عند أبي الفداء (ت 732هـ) في كتابه (الكناش في النحو والتصريف): دراسة تحليلية"
وقد تناولت الرسالة تحليلًا معمقًا لواحدة من القضايا المهمة في التراث اللغوي العربي، عبر استكشاف منهج أبي الفداء في التأويل النحوي، وهو موضوع يتطلب اطلاعًا واسعًا وفهمًا دقيقًا للغة، والقدرة على الربط بين النصوص وتحليلها بمنهج علمي رصين.
لجنة علمية مشرفة
تكونت لجنة المناقشة من نخبة من كبار الأساتذة والمتخصصين في مجال اللغويات بجامعة الأزهر الشريف:
أ.د. عادل محمد علي الطنطاوي – أستاذ اللغويات المتفرغ وعميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا – مشرفًا أصليًا.
د. منال فوزي عبد القادر – أستاذ اللغويات المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات ببورسعيد – مشرفًا مشاركًا.
د. عواطف أحمد كمال شهاب الدين – أستاذ اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة – مناقشًا داخليًا.
د. أحمد محمد توفيق السوداني – أستاذ اللغويات وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالدايدمون – مناقشًا خارجيًا.
وقد أوصت اللجنة بإجازة الرسالة ومنح الباحثة الدرجة العلمية المرموقة، مشيدة بجهدها العلمي وحرصها على تقديم عمل أكاديمي متميز، رغم الظروف الصحية التي مرت بها قبل وفاتها.
تكريمٌ يليق بعطاء لا يُنسى
في لفتة مؤثرة، كرّم الدكتور سلامة جمعة داود – رئيس جامعة الأزهر – أسرة الباحثة الراحلة خلال جلسة المناقشة، وقدم لهم نسخة من القرآن الكريم، عربون وفاء وتقدير للجهود التي بذلتها الراحلة، وإيمانًا بأن العلم لا يموت برحيل أصحابه.
رسالة أمل ووفاء
هذا الحدث لم يكن مجرد لحظة تكريمية، بل رسالة عميقة تؤكد أن الجهد لا يضيع، وأن الجامعات لا تكرّم الأحياء فقط، بل تحتفي بالعلم والمعرفة كقيمة خالدة، تترك أثرًا يتجاوز حدود العمر.
كما يعكس القرار روح الأزهر العريقة في احترام العلماء، والإعلاء من شأن البحث العلمي كرسالة إنسانية لا تقف عند حدود الجسد، بل تمتد إلى ما بعد الحياة.
جامعة الأزهر، بهذا القرار، لم تمنح شهادة فقط، بل رسخت مبدأً إنسانيًا مفاده أن العلم يبقى، وأن من خدموه بصدق، يكرَّمون حتى وإن غابوا بأجسادهم.